عبد الكريم الجهيمان.
كنت قررت بطوعي واختياري أن أتوقف عن الكتابة منذ سنة تقريباً.. بعد أن عملت في صناعة القلم أكثر من خمسين عاماً.. أكتب في الصحف وأنشئ بعض المؤلفات التي أراها تخدم بلادي وأبناء وطني. وقد شعرت في الآونة الأخيرة أنني أعطيت كل ما أستطيع إعطاءه في هذا المجال.. ولكن الصديق الأستاذ سعد الحميدين استطاع أن يخرجني من صمتي وأن أكتب لصحيفة الرياض رؤوس أقلام عن جهودي في تلك الفترة الطويلة من حياتي الكتابية
ليستعرضها بعض الكتاب والمفكرين.. ويشرحوها ويدلوا بآرائهم فيها.. وأحمد الله أن آراء هؤلاء الكتاب كانت في صالحي. وقد ألبسوني في تعليقاتهم ثوباً فضفاضاً، ووصفوني بأكثر مما أستحق من المحامد.. ولن أقارضهم ثناء بثناء.. لأنهم بماضيهم وحاضرهم خير مني وليسوا في حاجة إلى هذه المقارضة. ولا يسعني إلا أن أشكرهم واحداً واحداً جزيل الشكر وأزكاه على تقدير جهدي المتواضع في سبيل رفعة بلادي والذي أراه واجباً على كل مفكر يقدر آثار الثقافة في سبيل رفعة وطنه ومواطنيه.. ولدي تعليق بسيط على ما كتبته الدكتور سعاد عبدالعزيز المناع بعد أن أقدر لها جهدها وأشكرها على ملاحظتها حول مصادر بعض الأمثال فأقول لها: إن الأمثال لا وطن لها.. وهي تنشأ عن ظروف اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية وظروف العالم العربي قد تتشابه أو تتقارب في البلاد العربية القديمة والحديثة.. ولهذا فقد يكون المثل الذي لدينا يقال في مصر والشام والعراق.. وكل بلد عربي ينطقه بأسلوبه ولهجته.. وليس معنى ذلك أنهم استوردوا المثل منا أو إننا استوردنا المثل منهم.. بل متشوُه تشابه الظروف وتشابه المشاكل.. وكذلك الشأن بالنسبة إلى الزمثال العربية القديمة.. فنحن نعيش على الأرض التي عاشوا عليها.. وقد تكون ظروفنا في بعض أطوار التاريخ مشابهة لظروفهم.. ومن هنا ينشأ التشابه في المعنى مع اختلاف الأسلوب واللهجة التي يعبر بها عن المثل. أما موضوع إرجاع بعض الأمثال إلى أصولها الضاربة في القدم.. وإرجاع كل فرع إلى أصله.. فهذا ليس في مقدوري ولا من شأني وإنما هو من شأن المتعمقين في شؤون الشعوب والدارسين لتطوراتها وتقلباتها الأحوال فيها.. وبالجملة فأنا لم أحاول في يوم من الأيام أن أخدع القارئ أو أضلله أو أكذب عليه.. بل إنني أبذل جهدي لأكون صداقاً مع نفسي ومخلصاً لقارئي. ولست أعدو الحقيقة إذا قلت إن هذه الأمثال والأساطير هي التي تمثل التأريخ الصحيح لحالة البلاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وهي لا تمثل ذلك بالتفصيل.. وإنما تمثل بطريق الإشارة والتلميح وهم يقولون رب إشارة أبلغ من عبارة.. أما كتب التأريخ فأكثرها لا يخلو من الأهواء التي تطمس الحقيقة.. وقد تأخذ محاسن قوم وتلبسها قوماً آخرين.. وبالعكس. وأحمد الله الذي عصمني من هذه الرذيلة وجعلني أهدف في الدرجة الأولى من مؤلفاتي إلى النفع العام.. ولم أجعلها وسيلة للكسب فقط.. ولا أنكر أنها درت عليّ بعض المكاسب المادية التي هي عوني على أن أعيش عيشة كريمة لا أضطر فيها إلى بيع ضميري لتجار الضمائر الذين لا يخلو منهم مجتمع من المجتمعات.. ومن بال التحدث بنعمة الله علي فإنني أقول: إن الله أعطاني من السمعة الحسنة والثروة الكافية والاعتدال في شؤوني المعيشية أكثر مما أستحق.. فله الحمد على كل حال.. ونسأله أن يشملنا بفضله وكرمه في الحياة وبعد الممات.. وختاماً أكرر شكري وامتناني لجميع الإخوة الذين أكرموني بكلماتهم الفياضة بمشاعر الحب والتقدير.
المصدر: جريدة الرياض – العدد: 88099 - 6/8/1992م.