بقلم: أ. حمد سعد المالك
في الخامس من أكتوبر من كل عام، نستذكر بإجلال وتقدير دور المعلم في بناء الأوطان وصناعة الأجيال. وعلى الرغم من أن القصص التي تصلنا عن مؤسس هذا الوطن الغالي، الملك عبد العزيز - رحمه الله - ترتبط غالباً ببطولاته في توحيد البلاد وإنجازاته السياسية، فإننا لا نغفل عن أحد أبرز جوانب رؤيته الحكيمة: التعليم. كان الملك عبد العزيز مدركاً تماماً أن بناء الإنسان هو الأساس الحقيقي لبناء الدولة، وأن التعليم هو الطريق لتحقيق تطلعات هذا الوطن. فاهتم طيب الله ثراه بالمعلم حيث وجد أنه من المهم أن يتسلح أبناء الوطن بالعلم والمعرفة في جميع التخصصات. ففي عهده أسس المعهد العلمي السعودي، وذلك في عام 1345هـ، وكان من أهدافه تخريج معلمين للمدارس الابتدائية وبقي إلى عام 1345هـ حيث حلت محله معاهد إعداد المعلمين. فظهر عدد من المعلمين الذين ساهموا في تأسيس الحركة التعليمية في المملكة، من بينهم الأديب والمربي عبد الكريم الجهيمان (أبو سهيل).
فالجهيمان ليس رائداً في الأدب فحسب، بل هو أحد الشخصيات البارزة في التعليم بالمملكة، حيث تُجسد مسيرته التربوية والفكرية الرؤية العميقة التي رسمت لمستقبل هذا الوطن. كان يدرك تماماً أن التعليم هو الأساس الحقيقي لبناء مجتمع قوي ومثقف. فلم يكن الجهيمان مجرد مربٍ يعلّم الأجيال، بل كان صانعاً للعقول ومؤسساً لجيل من المتعلمين الذين أسهموا في نهضة البلاد. إن سيرته الحافلة بالعطاء ما هي إلا انعكاس لرؤيته في أهمية بناء الإنسان قبل بناء الوطن.
فمنذ عام 1351هـ، بدأ أبو سهيل مسيرته التعليمية مدرساً في مدرسة المعلى ثم في المدرسة الفيصلية بحي الشبيكة في مكة المكرمة. انتقل بعدها إلى المعهد السعودي بجبل هندي، حيث قام بتدريس المواد الدينية، وكان زميلاً للناقد الأستاذ عبد الله عبد الجبار، الذي كان يدرّس الأدب العربي، وللعسكري السابق عمر عبد الجبار، زميله الذي شاركه الجهيمان في تأليف مجموعة من المقررات المدرسية لطلاب المرحلة الابتدائية، مثل الفقه والتوحيد والمطالعة والتهذيب والمحفوظات. كما أسهم الأديب عبدالكريم في تأليف بعض تلك المقررات بشكل منفرد. ولا ننسى أن مدير المعهد آنذاك كان الأستاذ أحمد العربي، الذي أشرف على تلك المرحلة المهمة من تاريخ التعليم في المملكة. وفي عام 1362هـ، عين الأديب عبدالكريم الجهيمان مديراً لإدارة المدرسة السعودية في السيح والتي افتتحها الوزير عبدالله السليمان لأبنائه وأبناء البلدة، والتي تعتبر أول مدرسة حكومية تفتتح في المنطقة.
وفي أحد لقاءاته التلفزيونية، يروي عبد الكريم الجهيمان قصة جمعته بالملك عبد العزيز، موضحاً أن الملك كان يزور الخرج بانتظام، حيث كان مجلسه المعروف بـ"العريش"، مكاناً للتشاور واللقاءات. هذا المكان الذي تم ترميمه لاحقًا وأصبح معْلَمَاً تاريخياً يربط بين الأجيال الحالية وجذورها العميقة. في إحدى زياراته للخرج، اقترح بعض المقربين من الملك تنظيم عرض تعليمي أمام جلالته، يتمثل في محاورات علمية ودينية يقدمها الطلاب، إلى جانب قصيدة خاصة بتلك المناسبة.
الجهيمان، بصفته مدير المدرسة، تولى إعداد الطلاب وتدريبهم على إلقاء المحاورات، كما كتب قصيدة ليلقيها أمام الملك. وعندما حان موعد العرض، جلس الملك في مجلسه المعتاد، محاطًا بأبنائه. تقدم الجهيمان وألقى القصيدة، وتبعه الطلاب في تقديم محاوراتهم. الملك عبد العزيز، بإعجابه الواضح، قال كلمته المأثورة: "بارك الله فيكم."
تلك الكلمات البسيطة حملت في طياتها تقديراً عميقاً لدور التعليم والمعلمين. فالملك عبد العزيز كان يرى في التعليم الركيزة الأساسية لنهضة الأمة، وقال في إحدى مقولاته الشهيرة: "التعليم في المملكة هو الركيزة الأساسية لنحقق بها تطلعات شعبنا نحو التقدم والرقي في العلوم والمعارف".