أولاً أشكر صاحب هذا الملتقى الأدبي الأستاذ محمد بن عبد الله المشوح الذي أحسن الظن بي ودعاني للتحدث عن أستاذي وقدوتي الشيخ عبد الكريم الجهيمان ، بمناسبة تكريمه بتخصيص هذه الأمسية في ملتقى (الثلاثاء) للتحدث عنه ، وعما قدم للوطن والمواطن خلال قرن من الزمان .
كما أشكر كل من حضر وشارك وقدر هذا الرمز المحتفى به .
أعتقد أن منظم هذا اللقاء ومديره الأستاذ عبد الله الوشمي قد وزع الأدوار بحيث يتكلم كل واحد عن جانب معين من حياة الشيخ الجهيمان واهتمامه ، أما محدثكم فقد ترك له الحرية ليتحدث عما يشاء عن والده بحكم قربه منه إلا أنه قد طُلب منِّي أن لا أكرر ما سبق نشره لمعرفة الناس به ، فيكفي الإشارة إليه ، وفي الحقيقة فإني بقدر فرحي واغتباطي بهذه اللفتة الجميلة من صاحب هذا الصالون الأدبي ودعوته لهذه النخبة الممتازة ليفرحوا معنا بتكريم رائد شق طريقه وأثبت جدارته في جميع الميادين العلمية والثقافية التي سلكها منذ تخرجه من المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة عام 1351هـ أي منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن وهو يعمل في التدريس والتأليف والصحافة .
ولا يفوتني الإشارة إلى أنه قد جرت العادة أن لا يكرم الإنسان في حياته ولكن مثل هذه اللفتة تكسر القاعدة ، وتعيد الأمل للمحتفى به وتشجع غيره على الاقتداء به ، وأن المجتمع الواعي لا ينسى دور ذوي الفضل ، فينزل كل واحد في منزلته التي يستحقها .
أقول إنني سأتحدث عن بدايته وعن تأثير السفر في حياته . وبدايته مع الحياة بين قريتي غسلة والوقف بشقراء ، وأن والدته تقول له عندما سألها :إنه ولد قبل سنة الرحمة بخمس سنوات ، وسنة الرحمة هذه كما نعلم كانت في
عام 1337هـ بينما قيل له أيضاً إنه قد ولد في السنة نفسها التي ولد بها ابن خالته عبد الله الجلعود عام 1330هـ وقال في مذكراته: \"والله أعلم بالصحيح وقد اجتهدت فاخترت سنة الثلاث والثلاثين تأريخاً لمولدي المثبت في الوثيقة
الرسمية ، والأعمار كلها بيد الله ..\".
بينما يقول صديقه الحميم العلامة حمد الجاسر رحمه الله في حديث له في أحدى اللقاءات أنه قد قدم إلى مكة في بداية عام 1348هـ حافي القدمين وبدون غترة أي (مصلِّع) ، وأن الجهيمان قد استقبله وهو يلبس البشت (العباية) ويعمل جندياً في الهجانة ، وأبو سهيل أطال الله عمره لا ينكر ذلك .. فهو يقول في مذكراته .. أنه قد غادر الرياض مع ابن عمه إبراهيم إلى الحجاز في السيارات التي عادت بالملك عبد العزيز وحاشيته بعد حج سنة السبلة أي بعد هزيمته لفيصل الدويش في معركة السبلة منتصف عام 1347هـ . إذ كانت السيارات تعود للحجاز خالية ، فأخذا إذناً بالركوب بها وعندما وصلا إلى مكة أخبرهم بعض أقاربهم بأنهم لا يستطيعون طلب العلم بدون نفقة ، والرأي أن يلتحقوا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فذهبوا إلى مركز الهيئة فقبلوا ابن عمه لأنه أكبر منه ، أما هو فرفض لصغر سنه ، فذهب إلى قيادة الهجانة وقبل كجندي ، وواصلا القراءة وطلب العلم على بعض المشايخ في الحرم .
والشيخ حمد الجاسر يؤكد أن الجهيمان أكبر منه بينما هو من مواليد عام 1327هـ ، ويؤكد ذلك أيضاً صديق الجميع الأستاذ سعد البواردي إذ رافق الاثنين منذ أكثر من خمسين عاماً ، وقال لي ونحن عائدون قبل ثلاثة أسابيع من عنيزة لحضور حفل تكريم الشاعر إبراهيم الدامغ عندما تحدثنا عن
الموضوع :إن الجهيمان قد بلغ المائة من عمره ، فقال إنه يؤكد أنه قد تجاوزها قبل أربع سنوات .
والجهيمان عندما نسأله ونلح يرد هل تريدون أن توصلوني للمئة خلاص اعتبروني وصلتها والسلام فينهي النقاش بضحكة .
تخرج من المعهد السعودي عام 1351هـ /1932م وبدأ التدريس بمدرسة المعلى ثم المدرسة الفيصلية ، وأن من طلابه الأمير عبد الله الفيصل وأحمد الجفالي وسراج خراز وعلي غسال وغيرهم .
وكان يؤلف بعض المقررات المدرسية منفرداً أو مشتركاً مع عمر عبد الجبار ، وعندما تولى محمد المانع مديرية المعارف بدل مديرها السابق طاهر الدباغ انتقد كتبه التي ألفها في الفقه والتوحيد وقرر إلغاءها ، فبلغت في أبي سهيل الجرأة أن يشتكيه إلى الملك عبد العزيز .. قائلاً إنه كثير الكلام سريع الجواب فيما يسأل عنه .. وكما قيل :من كثر كلامه كثر سقطه ، فأحصى عليه بعض السقطات . وذهب إلى رئيس الديوان (ابن عثمان) وسلمه الخطاب يداً بيد .. فلم يشعر من الغد إلا ببعض الإخوان يخبره بأن الشرطة تبحث عنه ، وأن عند باب بيته جندي .. فقرر أن يسلم نفسه إلى مدير الأمن العام وقتها مهدي بيك والذي يدعوه الملك عبد العزيز بمهدي المصلح .. وفعلاً ذهب إلى مركز الشرطة في قصر الحميدية فأوقف سبعة أيام في غرفة بجوار مكينة الحرم التي تضيء الحرم ليلاً وتنطفىء نهاراً وكانت هذه المكينة هي الوحيدة في مكة أما أهل مكة فيضيئون بيوتهم بالسرج .. المهم أن هذه المكينة إذا اشتغلت ليلاً تزعجه فلا تدعه ينام فكان يسهر ليلاً وينام نهاراً .
وبعد أسبوع من توفيقه حضر إليه مهدي بنفسه وقال : إن الملك
عبد العزيز قد عفا عنه رغم تعرضه للحوم العلماء .. وإن لحوم العلماء
مسمومة ، فطلب منه أن يكتب خطابين أحدهما للملك يعتذر فيه عما حصل ويشكره على عفوه عنه ، والثاني يتعهد فيه بأن لا يتدخل فيما لا يعنيه .
وهكذا خرج ، وعاد للتدريس بالمعهد السعودي وتحضير البعثات فكان يدرس الدين وأستاذنا عبد الله عبد الجبار يدرس الأدب العربي ، فحصل أن وجد في دفتر أحد الطلاب بيتاً من الشعر العربي لأبي نواس .
فسأل عمن أملاه عليهم فقال: إنه عبد الله عبد الجبار ، فذهب يشكوه على مدير المعهد الأستاذ أحمد العربي .. فكان يقول :إنه كان متديناً ومتشدداً
وقتها ، ولكنه زار العبد الجبار بمنزله بجدة قبل سبع سنوات وبعد هذه الحادثة بستين عاماً واعتذر منه وكنت وقتها أرافقه عندما كنا في ضيافة الأستاذ عابد خزندار ، وكان هدف الزيارة الأساسي السلام على المرحوم عبد العزيز مشري بعد قدومه من أمريكا بعد رحلته العلاجية .
يذكر أنه كان متشدداً وقاسياً على الطلاب المتلاعبين فقد تولى اختبار بعضهم ورسب كثير منهم ، وكان من بينهم عدد من أولاد الذوات من أهل مكة ، فأرسلوا يطلبون منه أن يعدل الدرجات فاعتذر .. وقال إنه أعطى كل طالب ما يستحقه من الدرجات .. ولا سبيل إلى تغيير ما سبق وضعه .. وكان مدير المعارف هو الموجه والمسئول عن هذه المادة بالذات .. وأهل هؤلاء الطلاب يعرفون خبر ذلك الخطاب الذي كتبه للملك .. فاجتمعوا وكتبوا برقية إلى الملك عبد العزيز يقولون فيها إنه قد حرم أولادهم من النجاح وذلك نكاية بمدير المعارف ومحاولة للنيل من كفاءته .. ورأى الملك أن من المصلحة مغادرته مكة .. فأمر بخروجه منها وإقامته الجبرية في موطنه بنجد .. فاختار موطن زوجته (الدوادمي) لكونها تقع ، على الطريق من الرياض إلى مكة فاشتغل بالتجارة والبيع والشراء بما وفره من رواتبه عندما كان مدرساً.
ويذكر أن صاحب الفضل في إخراجه من إقامته الجبرية هو صديقه حمد الجاسر والذي رافق الوزير عبد الله السليمان عند انتقاله للخرج أثناء الحرب العالمية الثانية لوفرة المياه ولينشىء المزارع لتوفر للمواطنين بعض ما يحتاجونه من حبوب وثمار خشية أن تطول مدة الحرب وتتعرض البلاد للمجاعة .
وكان مجيء الجاسر للخرج ليدرس أبناء الوزير فاقترح عليه أن تفتح مدرسة يدرس فيها أبناء أهل السيح مع أولاده وأولاد حاشيته .
وهكذا كان ، فبمجرد افتتاح المدرسة وطلب إعفاءه وتعيين الشيخ
عبد الكريم الجهيمان لإدارتها .. فما درى إلا وأمير الدوادمي يرسل له ويبلغه بسرعة انتقاله وعائلته إلى الخرج .. وهكذا تم ذلك عام 1362هـ ويذكر أن من عادة الملك عبد العزيز أن يأتي إلى الخرج هو وعائلته وحاشيته كل أسبوع .. فكان يخرج من قصره بعد صلاة العصر ويجلس أمام بركة في بعض البساتين ، فأخذ الجهيمان- طلابه الذين أعدهم للمحاورات والأناشيد الدينية فيذكر أنه تقدم إلى جلالته فسلم عليه .. وكان إلى يمينه ولي العهد الأمير سعود ، وعن يساره نائبه في الحجاز الأمير فيصل ، والحاشية والخدم يحفون به من كل جانب .. وقد ألقى قصيدة بين يديه فاستأذن لبعض الطلاب بإلقاء أناشيدهم ومحاوراتهم .. وكان يقول لهم بصوته الأجش المهيب .. بارك لك فيكم يا أولادي .. وقال: \"وكانت هذه الكلمة أجمل وسام قلدناه في ذلك اللقاء الذي كان موضع التقدير والإعجاب .. من جميع أولياء الطلاب ومن سواهم ممن شاهده أو سمع به ..\".
وبعد يومين طلب ولي العهد من الجهيمان أن يأتي لتدريس أنجاله
بالرياض ، وأثناء عطلة العيد ذهب للخرج للسلام على أصدقائه ، فإذا بالشرطة تبحث عنه وتعيده للرياض .. فعاد منزعجاً فطلب إعفاءه ..
وبعد مدة يطلب منه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن أن يتولى تدريس أنجاله فيذهب لهم في (روضة خريم) فيبدأ من هناك تدريسهم بخيمة بالصحراء ويذكر منهم يزيد وعبد الرحمن ومحمد ومصعب . وقد بقي معهم حوالي خمس سنوات .. وكان أقربهم إلى نفسه الأمير يزيد والذي طلب والده السفر إلى مصر للعلاج وعند موافقته طلب والده أن يرافقه بعض الحاشية فرفض يزيد- وطلب أن يرافقه أستاذه عبد الكريم الجهيمان وهكذا قضوا الشتاء بالقاهرة والصيف
بالإسكندرية ، وأشار إلى ما أحدثه هذا السفر في نفسه من تحولات في تفكيره ومعرفته بكثير من الشخصيات البارزة في الدول التي كان معجباً بسلوكها وطريقة تعاملها مع الآخرين وقال :\".. وبما أن هذه السفرة هي أول سفرة في حياتي خارج بلادي .. فقد رأيت فيها الكثير من الأمور التي منها ما أحببته .. ومنها ما كرهته .. فقد خرجت من مجتمع محدود .. يعيش عيشة محدودة .. عيشة الكفاف والعفاف وإذا بي في أيام قلائل أرى نفسي في مجتمع يموج بمختلف التيارات والرغبات والصراع في سبيل العيش بين الكبار والصغار والفقراء والأغنياء .
ورأيت الفرق الكبير بين مجتمعي المحدود .. وما فيه من تعاطف وتراحم ومواساة . وبين هذا المجتمع الذي يعج بالصراع والتنافس الذي قد لا يخضع للأخلاق والقيم الكريمة في بعض الأحيان .. ولا أقول كل الأحيان لأن كل مجتمع فيه الصالح والطالح .. وكلما اتسع المجتمع كثرت فيه التيارات والصراعات التي منها ما ينسجم مع الأخلاق الكريمة ، ومنها ما يشذ عنها قليلاً أو كثيراً..\" ، إلى أن قال \".. وبالجملة فقد استفدت من هذه الرحلة فوائد جمة .. استفدت مما سمعت .. واستفدت مما رأيت .. وعرفت مسالك الخير ومسالك الشر في هذا المجتمع الجديد الذي شاهدته فكان الأول من نوعه في حياتي التي قاربت الأربعين عاماً
حينذاك ..\".
يقول إن سنه كان أربعين عاماً حين ذاك فعندما تسأله متى كان هذا السفر قال يمكن عام 1373هـ . ولكني أطلعت على الخبر التالي المنشور في جريدة المدينة بالعدد 302 ليوم الخميس 12رمضان 1368هـ الموافق 7 يوليو 1949م يقول الخبر :\"أقام مدير مدرسة أنجال سمو الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الأستاذ عبد الكريم الجهيمان حفلة شاي رائعة بمناسبة سفره في معية الأمير يزيد بن عبد الله بن عبد الرحمن إلى القاهرة\" . أي أنه قد بلغ المائة عام من عمره
الآن -زاده الله ومتعه بالصحة والعافية- .
أقول: إن هذا السفر إلى مصر قد قاده إلى سفرات أخرى إلى أوروبا
-إيطاليا وبلجيكا وفرنسا- حيث بقي مع الأمير سنة أخرى بباريس حيث تعلم اللغة الفرنسية وحصل على رخصة قيادة دولية ، وقابل يونس بحري المذيع العراقي الشهير في صوت ألمانيا أيام الحرب العالمية الثانية قائلاً بصوته الجمهوري (هنا برلين .. حي العرب) وبدأ التأليف حيث ألف كتاب (ذكريات باريس) وقدم له يونس بحري عام 1370هـ ولم يطبع هذا الكتاب إلى بعد ثلاثين سنة في
المملكة .
أختتم كلامي هذا وأعتبره مدخلاً مهماً في حياة الأستاذ والرائد عبد الكريم الجهيمان .. إذ إن سفره إلى خارج المملكة وفي هذا الوقت المبكر قد فتَّح مداركه وأراه العالم الآخر كيف يعيش من خلال تطور الحياة ووسائل الرقي
والرفعة .. وللدور الذي تلعبه الصحافة في حياة الشعوب من توعية ووعي وطموح إلى الأفضل .. فبفضل هذه الإطلالة على العالم العربي من خلال مرورهم بلبنان وبقائهم بمصر (أم الدنيا) ، ثم باريس قمة الحضارة والرقي. جاء الجهيمان ليساهم في رفع مستوى وعي المواطن هنا ليسلك الطريق الصحيح وليواكب مسيرة التاريخ ، وعندما جاء وقادته المصادفة إلى المنطقة الشرقية ، حيث بدأ مهمته من خلال ما ينشره بصحيفته (أخبار الظهران) والتي تعتبر أول صحيفة تصدر بالمنطقة الشرقية .. وهكذا استمر يحمل مشعل النور والهدى ، ويحارب الجهل والظلام من منبر الصحافة التي أوقفت بعد سنتين من صدورها ، وسجن صاحبها لمطالبته بتعليم البنات في مقال نشره في (أخبار الظهران) .
عاد للرياض بعد الإفراج عنه ليعمل مديراً للتفتيش بوزارة المعارف بعد إنشائها وكان وزيرها آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين بعد ذلك رحمه الله- ويصدر مع مجموعة من الأدباء بالوزارة ومنهم الأستاذ سعد البواردي الذي يشاركنا هذه الليلة . مجلة (المعرفة) ثم يطلب وزير المالية والاقتصاد الوطني الأمير طلال بن عبد العزيز استعارة خدماته من وزارة المعارف ليصدر مجلة (المالية والاقتصاد) هذا إلى جانب مشاركته لصديقه حمد الجاسر رحمه الله- بالإشراف على صحيفة (اليمامة) أثناء سفراته المتعددة والكتابة بها تحت عنوان (أين الطريق؟).
وكذا كتاباته المستمرة والمشاركة كمشرف عام على تحرير صحيفة القصيم التي كانت تصدر بمدينة الرياض إلى جانب اليمامة . فكان يكتب بالقصيم تحت عنوان (مع الزمن) في الصفحة الأولى وفي الصفحة الأخيرة (المعتدل والمايل) وغيرها من المقالات الأخرى ، ونجد أن الشيخ عبد الله بن خميس يستعين به للإشراف على مواد مجلته (الجزيرة) ويقول في مذكراته ص199: \"...وكل تلك المقالات ، ونيابة التحرير لا نأخذ عنها أي مقابل مادي ، وإنما نقوم بها على أنه واجب وطني وكان جميع الكتاب من أمثالي في تلك الفترة لا يأخذون أي مكافأة على ما يكتبون .. فليس هناك كتاب محترفون وإنما هم كتاب وطنيون
متطوعون .. هدفهم الصالح العام .. لوطنهم لمواطنيهم .. وخدمة لحكومتهم
الفتية ..\".
ويقول :إنه يتبع سياسة في كتاباته فيقول : \"... لدي فلسفة خاصة استفدتها من تراثنا الماضي وهي : إذا أردت لكتابتك أن تكون مؤثرة وتؤدي إلى
المطلوب .. فيجب أن تكون حارة جداً أو باردة جداً .. أما أن تكون فاترة .. فهذا هو الشيء الذي لا قيمة له .. وهو يمر غالباً دون أن يحس به أحد ولن يكون له أدنى تأثير ...\".
لقد رافقت الرجل خلال العقدين الأخيرين في السفر والحضر ، وسافرت معه مرات عديدة خارج وداخل المملكة وكان يعاملني كصديق بل كأحد أبنائه وكنت أقول له في كفاحك ودورك النهضوي في تحريض المجتمع على العمل المتواصل ومواكبة المجتمعات المتحضرة وكأنك تردد المثل القائل :\"أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام\" فيرد علي بالكلام المأثور :\"حب الوطن من الإيمان\" فأرد : بأنك جزء منه فلم أر من يحب وطنه مثلك . وتحمل بسببه الكثير من المشاق والمتاعب . فأنت علمتنا أن الإنسان بلا هدف بلا قضية بلا اهتمام بالشأن العام هو إنسان هامشي .. لقد تتبعت خطاك ووقفت على كل الخطوط المتفرعة بدءاً من بداياتك الصحفية ثم مؤلفاتك والجوانب التي كانت تشغل تفكيرك وتقض مضجعك وهو ترسُّم الطريق الصحيح وتوخي الحذر والبعد عن المزالق والطرق المظلمة .
فيرد علي وهو ضاحك
بلاش فلسفة) .. أنا قدمت ما أستطيعه وأنتم الجيل الجديد عليكم البقية . فنحن في سباق مع الزمن ، أو سباق التتابع كما يحصل في رياضة ألعاب القوى- كل متسابق يسلم العصا لمن يلحق به لمواصلة الطريق .
واليوم ، وهو على مشارف المئة ، أو تخطاها ، تراه فترى فيه حيوية الشباب بأفعاله اليومية ، وضحكاته العفوية ، غير آبه بوطأة الزمن وتقدمه
أطال الله في عمره-.
محمد بن عبد الرزاق القشعمي