الجهيمان يغلق سجناً
يقول المثل : (( افتح مدرسة تغلق سجناً )) أو (( من فتح مدرسة فقد أغلق سجناً )) وهذا يعني أن التربية والتعليم هما أساس وحصانة للفرد لحمايته من المزالق التي قد تعرضه لاسمح الله للسجن ، فالوعي والمعرفة سلاح للمرء يتضح له منها الصالح من الطالح والطيب من السيء .
لم أستغرب ما قرأته في جريدة الرياض ليوم الثلاثاء 30/3/1423هـ ( وزير المعارف وجه الشكر للجهيمان ـ مدرسة ابتدائية بالخرج تحمل اسم عبد الكريم الجهيمان ) ومن الخبر المنشور يتضح أن أستاذنا عبد الكريم الجهيمان ـ أطال الله عمره وأبقاه ـ قد تبرع بمبلغ مليون وخمسمائة ألف ريال لمشروع مدرسة ابتدائية بالخرج .. وقال معالي وزير المعارف (( .. إن هذا التبرع السخي من الأستاذ الجهيمان ينطلق من الإيمان بأهمية الإسهام في خدمة العملية التعليمية ـ وأن هذه المبادرة الكريمة تدل على الوعي العميق ـ والوفاء الصادق لهذا الوطن وأبنائه ... ))
وهذا ليس بمستغرب على الأستاذ الجهيمان وأمثاله من المواطنين المخلصين الذين يقدرون دور التربية والتعليم في حياتنا والنتائج المرجوة منهما ، صحيح أن الذي لايعرف الجهيمان مثلي لايستغرب أن يتبرع بهذا المبلغ أو أكثر منه ، إذ يعتقد أنه من أصحاب الملايين ، وأن هذا المبلغ قد يعتبره بمثابة الزكاة أومن باب الصدقات .
فالأستاذ الجهيمان غني النفس والأخلاق ـ وليس من أصحاب الثروات فليس له دخل سوى مايحصل عليه من قيمة كتبه ، وسبق أن قال عنه الأستاذ فهد العلي العريفي في مجلة اليمامة العدد 1604 بتاريخ 2 صفر 1421هـ: ( ... كان يستوفي من رواد مكتبته قيمة مشترياتهم قرشاً قرشاً . ولكنه لايجمعها في صناديق مغلقة .. أو في صرر يدفنها في الدار للعمر الطويل .. ولكن ليتبرع بها عن آخرها لعمل خيري إنساني ..
ولقد تبرع بالحصيلة كلها خمسمائة ألف ريال لدار المعوقين ثم أتبعها بمثلها !! وقد تساءل محبوه وتلاميذه : من أين له المليون ؟! وهو عزيز النفس محدود الدخل ؟! .
قالوا : من حصيلة كتبه وكتاباته يجمعها لا لكي يثرى ... ويصبح من أرباب الملايين كما يفعل البعض .. ولكن ليتبرع بها لرعاية مجتمعه وأهله ..
ولا غرابة في ذلك من رجل نذر نفسه لمجتمعه ووطنه وأمته .. ويكفي
أنه: ( عبد الكريم الجهيمان )
وقال عنه أيضاً الدكتور حمود البدر أمين عام مجلس الشورى ـ ووكيل جامعة الملك سعود سابقاً إنه قبل أكثر من خمسة عشر عاماً كان يأتيه بالجامعة : ( ... بحثاً عن أوجه الخير بين الطلاب ، حيث كان يتلمس الأشد حاجة ليغطيها أو يسهم في البحث عمن يفعل ذلك إن كان المطلوب فوق طاقته .. )
وقال : انه ترك لديه مبلغ (200000) مائتي ألف ريال ليصرف منها على الطلاب الذين قد تعيقهم الحاجة للمادة عن مواصلة الدراسة .
أعود للموضوع الجديد .. لقد كان ما قرأته عن موضوع المدرسة مفاجأة لي إذ كنت ألتقي بأستاذنا الجهيمان مرتين أسبوعياًً على الأقل خلال العامين أو الثلاثة الأخيرة وكنا نتحدث في أمور كثيرة .. وسبق أن زرته في منزله بحي الروابي قبل أربع سنوات أو تزيد قليلاً وكان المنزل المقابل لمنزله مستأجر كمدرسة ابتدائية . وكانت مساحته محدودة قد لاتتجاوز 500م2 وكان يتألم لوضع الطلاب كيف يسجنون بهذه الأقفاص كالعصافير بدون فناء واسع للعب أو مرافق علاوة على صغر الفصول الدراسية ..
وقال لي ونحن نتمشى حول منزله كعادته قبيل غروب كل يوم : انه يفكر لو يستطيع أن يبني مدرسة متكاملة وحسب المواصفات التربوية الحديثة ويقدمها هدية للمعارف لعلها تفتح الباب للتجار ورجال الأعمال الغيورين على وطنهم وأمتهم ليحذوا حذوه وليسدوا الحاجة لمثل هذه المساكن الشعبية التي لاتتوافر فيها مقومات المدرسة .
فقلت لـه إن (( الشق أوسع من الرقعة )) فكتابة مقال بالجريدة حول الموضوع قد يؤثر
أكثر . وأناأعرف حياته البسيطة المتواضعة وأجزم أنه لايستطيع أن يحقق هذه الرغبة التي يفكر بها .
كنت معه مساء الخميس 2/4/1423هـ لوحدنا . وكان يعاملني كأبن وصديق ولايخفي علي شيء .. فقلت لـه من باب المداعبة .. ما شاء الله أصبحت من الوجهاء ومن أصحاب الشأن .. فرد علي ماذا حصل ؟ .. فقلت : الخبر المنشور في جريدة الرياض فضحك وقال : .. تعلم ياإبني أنني لا أتأخر عن عمل أجد فيه فائدة ومنفعة للجميع .. وقد فكرت ماذا اقدم قبل ان تزل بي القدم .. فكرت في بناء مسجد فوجدت أن منها الكثير وأن الكل يتسابق لبنائها . وكذا مستوصف أو مكتبة . فوجدت المدرسة هي الأقرب . فأخذت رأي أولادي بذلك فأيدوني .. فذهبت في الأسبوع الماضي إلى مكتب وزير المعارف وتم طرح الفكرة عليه فرحب بها .. وخيرني أي الأماكن أفضل . وكان يعتقد أن مسقط رأسي شقراء وما حولها هي ما أفضل أن تؤسس به هذه المدرسة .. فقلت: الحمد لله هناك الكثير من أبناء الوشم ميسورو الحال وقادرون على تأسيس وبناء الكثير من المجمعات المدرسية .. وبعد مشاورات وجدنا أن منطقة الخرج هي الأقرب والأفضل .. ولا تنسى أن لي بها ذكريات فقبل أكثر من ستين عاماً كنت أول مدير مدرسة أنشئت هناك عام 61/ 1362هـ خلال الحرب العالمية الثانية..
وأضاف أن مدير التعليم بالخرج الأستاذ / محمد الفواز قد زاره قبل أيام وتباحثا في المكان المناسب لتأسيس وبناء المدرسة فيه فوجدا أن بلدة ( التوضحية ) هي التي تحتاج لها .. وقال ( لا، وأبشرك) إن مدير التعليم يقول: إنه بالإمكان تحويل المبنى إلى مجمع يشتمل على مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية وأن هناك أرضاً مخصصة ومجهزة لإنشاء المدرسة عليها .
فلعل ما اقدم عليه أستاذنا الجهيمان من خطوة مباركة يتبعها خطوات أخرى مماثلة من أبناء هذا الوطن ممن حباهم الله سعة في الرزق فتحية إجلال وتقدير لكل أبناء الوطن المخلصين .
محمد عبد الرزاق القشعمي
0
0
2.9K
02-04-2008 04:44 مساءً