على جنبات هذي الأرض نمشي = زمانا ثم ندفن في ثراها
ويأتي بعدنا قوم و قوم = يعيشون الحياة كما نراها
يذوقون النعيم بها وطورا = يذوقون المرارة من أساها
وكم من قد مضى من ألف جيل = على منوالهم نخطوا رباها
وكم رجل سما فوق الثريا = ونال بها المنى: مالا وجاها
تملكها فتاه بها و أرغى = وأزبد ثم أدركه تواها
فراح وخلف الأثار تبقى = لدى الأحداث تبكي من بناها

وما تلك الحياة سوى مجال = يمثل فيه أهلوها قواها
وما تلك الحياة سوى صراع = يفوز به على الهزلى فتاها
فكل دوره فيها يؤدي = ويمضي قاصدا دارا سواها
ويخلفه على التمثيل قوم = يعيدون الذي منه تناها

فمنهم من يمثل دور أفعى = بها لين ويحوي الشر فاها
ومنهم من يمثل دور ليث = قوي البطش خواضا وغاها
ومنهم من يمثل دور قرد = يقلد كل بادرة يراها
ومنهم من به سمة الكراكي = غباء ليس يعلم ما طحاها
ومنهم من تشبه بالثعالي = لدى روغانها أو في دهاها
وفيهم من به طمع القرلا = إذا الثمرات أبصرها جناها
وفيهم من يمثل دور جد = وفيهم من روايته سفاها

ويمضي العمر أشبه ما نراه = بغفوة حالم لما غفاها
وليس يعاد للإنسان دهر = إذا صفحاته يوما طواها
ولا يغني إذا الأجال حلت = خرافات العجائز أو رقاها

ألا يا سائق الأظعان عرج = وسل تلك المدائن من بناها
فسوف تجيبك الخربات فيها = بكل سريرة ملكت يداها
ستخبرك الرسوم بأن قوما = بنوها في الدنا وحموا حماها
وان بهم شريفا مسقيما = بعيدا في السريرة عن هراها
وفيهم من تخلقه رياء = إذا ذكر الدنا جهرا نعاها
يحذر قومه مما حوته = ويتبع نفسه سرا هواها
إذا نالت يداه بها حطاما = بأي وسيلة سامى وتاها

وفيم من قلى الدنيا عفافا = وطلق حبها وجفى بناها
إذا ما أبصرت عيناه فيها = زخارفها تفكر في فناها
فلا يلتاع بالأحزان فيها = ولا يغرره في السرا صفاها
يخاف إذا ارتوى صبحا بنعمى = يجانبه لدى الممسى رخاها
وتلك طبيعة الدنيا فما من = ضحوك بالدنا إلا بكاها

فيا نفس الشريف البر مرحى = لك الأنوار في ظلمى صواها
ويا نفس المسف هوى وجهلا = ستلقين المرارة في لهاها
فعند الله تجتمع البرايا = وتنكف السرائر عن طلاها
ويلقى الصالحون علا وأجرا = وأما الظالمون ففي لظاها