جريدة اليوم أقامت جمعية الفلسفة السعودية محاضرة بعنوان: "عبد الكريم الجهيمان: أفكار (للوطن والنهضة)" قدمها م. حمد الراشد عضو مجلس إدارة جمعية الفلسفة، ضمن مشروع قراءات فلسفية في الفكر السعودي بالرياض.
أوضح الراشد في بداية محاضرته أن حياة الجهيمان كفاح ونزعة إنسانية ووطنية، وأن عبد الكريم بن عبد العزيز الجهيمان وُلد عام 1912م بوسط نجد في قرية من قرى إقليم الوشم بالقرائن.
تشرب الجهيمان منذ صغره لهجة أهل منطقته وقريته وعاداتها وسمات أهلها، فكانت تلك نقطة البداية لتمتد حياته وخبرته لاحقًا إلى جميع مناطق المملكة بما يقرب من قرن من الزمان، تنوعت بين صحافة وثقافة وأدب وفكر وسياسة وتعليم وتربية واقتصاد في رسالة حملها للإنسانية ولمجتمعه ولوطنه بانتماء وإخلاص وثاقب رؤية.
تحدٍّ وصعوبات
كافح "الجهيمان" في حياته وتحدى الظروف التي واجهته، وبذل كثيرًا لتحصيل التعليم والعلم، حيث تلقى التعليم ثم الثقافة والعلم بنفسه وبجهوده الذاتية، فتدرج في مراحل التعليم ابتداءً من مرحلة الطفولة في قريته مرورًا بالعاصمة الرياض، وبعدها الذهاب إلى المعهد السعودي في مكة المكرمة.
وأشار الراشد إلى أن "الجهيمان" مارس التدريس الخاص في بداية حياته لعدد من أبناء الأمراء، فأكسبه خبرة تعليمية وتربوية حتى تمكن من المساهمة في إعداد المناهج الدراسية والكتابة للأطفال، وبعد تلك المراحل تطورت شخصية الجهيمان ثقافيًّا، ورغم تعدد تجارب عبد الكريم الجهيمان والمجالات التي خاضها فإنها جميعًا تهدف إلى غرس الأمانة والوطنية، ولهذا فإن سيرته بكل ما فيها تنوعت أفكارًا ولكنها اتحدت أهدافًا، ومن هذا المنطلق "تنوع الأفكار ووحدة الأهداف".
أول صحيفة في المنطقة الشرقية
أضاف الراشد: "كانت انطلاقته مع صحيفة "أخبار الظهران" بدأت عام 1954م موافق 1374هـ وحسب ما أورده محمد بن عبد الرزاق القشعمي في كتابه "عبد الكريم الجهيمان.. رحلة العمر والفكر"، فكانت أول صحيفة صدرت في المنطقة الشرقية، وكان القراء يعلقون آمالًا كبيرة على صدورها بشهادة عثمان حافظ في كتابه "تطور الصحافة في المملكة"، وهي الصحيفة التي أصبحت لاحقًا صحيفة اليوم، فـ"اليوم" هي امتداد لأخبار الظهران مع فارق الزمن والتطور".
التعليم والأمور التربوية
تابع الراشد: "من أهم القضايا التي شغلت بال عبد الكريم الجهيمان ما يتعلق بالتعليم وما يستدعيه من أمور تربوية، فهو يعد التعليم شرطًا ضروريًّا لأي تنمية ونهضة وطنية ويقوم عليه وعي عام بمثل ما يقوم عليه علم وتقدم وخدمات وصناعات، وإن كانت التربية رديفة للتعليم فهي أقرب ما تكون لمراحل التعليم الابتدائية وما يحتاج إليه الطفل من غرس للأمانة والانتماء والقيم".
وكان يرى أن تعليم البنات لا بد أن يتحقق في جميع المراحل، والمشاركة للمرأة مع الرجل في تلك المبادرات والبحوث الأكاديمية.
وأضاف الراشد: وفي نظره هناك أساليب وأهداف للتربية، ومهم فلسفيًّا أن نتوقف عند مجال التربية العقلية لدى الجهيمان التي يعني بها الاهتمام بعقل الإنسان وارتكاز التعليم على بناء العقل والاهتمام بالقدرة العقلية وارتباط العلم بوجود العقل، وأن الإسلام يدعو إلى التفكر واعتبار العقل مناط التكليف.
الراشد يستعرض تجربة عبد الكريم الجهيمان - اليومالراشد يستعرض تجربة عبد الكريم الجهيمان - اليوم
تنمية.. مواطنة.. نهضة
أوضح الراشد أن هذه المحاور الثلاثة (تنمية، مواطنة، نهضة) برأي الجهيمان تسير معًا وتستدعي بعضها بعضًا، فلا تنمية حقيقية دون انتماء وأمانة وإخلاص التي هي من سمات الوطنية وعندما تتحقق التنمية والمواطنة يترتب عليها نهضة واقعية ومستقبلية، ومن شروط النهضة الوطنية أن يرافق العلم والثقافة صدق ومسؤولية ومحاربة للفساد بأنواعه، وتقديرًا لموارد الوطن بكل أشكالها، مما يعني وجود وعي عام بناء عليه يعمل المواطن الصالح على المساواة بين ممتلكاته وموارد الوطن والممتلكات العامة وكأنهما شيء واحد.
كما نادى عبد الكريم الجهيمان من باب حرصه على موارد الوطن والأمانة في العمل بإنشاء جهاز لمراقبة الفساد والذي يعد إرهاصًا لما تحقق فعليا الآن في جهاز (نزاهة)، مما يدل على وطنيته وتفكيره المستقبلي وبعد نظرته.
أفكار للحياة والمجتمع
أكد الراشد خلال المحاضرة أن عبد الكريم الجهيمان كتب مقالات عدة تدور في محور الحياة والمجتمع، وتلك المقالات حافلة بوصف تجارب ونظرات وأفكار فلسفية، وكما ذكرنا فهي أيضًا تصب في هدف النهضة الوطنية، إذ إن الجهيمان يخاطب نزعات الفرد وميوله وكأنها مؤثر أساسي في الخط العام للمجتمع والوطن، ويرى أن تفكير الفرد واهتماماته مرتبطة وإن كانت بشكل غير مباشر بهموم وطنه ومسائل نهضة الوطن، وأن تنامي وعي الأفراد يشكل بدوره الوعي العام.
الأمثال والأساطير الشعبية
بين الراشد أن "رصد الجهيمان أغلب الأمثال الشعبية في كتاب موسوعي، ولم يكتفِ بالرصد بل أضاف إليه تفسيرًا وشرحًا لكل مثال وإيضاحًا لمناسبته مع إيراد أمثال مشابهة له في سبيل المقارنة، وقد ماثل الجهيمان في مواضع عدة بين المثل العربي من التراث القديم مع المثل الشعبي، والذي يمتد لفترة قريبة تاريخيًّا، وأوضح في هذا السياق تقارب المعاني بين الأمثال العربية والأمثال الشعبية".
ويختتم الراشد محاضرته بقول "الجهيمان" في كتابه "أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب": "إنني أوجه تلك الأساطير إلى الأجيال القادمة، لكي يعرفوا كيف يفكر الآباء والأجداد، وكيف كانوا يحلمون إضافة إلى معرفتنا من خلال الأساطير بأحوال المجتمع وظروف حياتهم التي مروا بها، ولهذه الأساطير أهداف عديدة لديه".